الأحد، نوفمبر 09، 2008

الشكوى

إيشر رجل قوي وعنيف يعيش في منطقة ريفيبة يمارس الفلاحة وتربية المواشي مع مجموعة من المواطنين ، فهو إذا رأى تحقق مصلحة له في قتل شخص يستعمل كل الحيل والوسائل لتحقيق ذلك ،حتى أنه قتل عجوزا لما شاهد عندها تاج من الفضة ورثته عن أهلها ، حيث كان يراقبها عند خروجها كل صبيحة لتذهب إلى إبنتها التي تبعد عنها حوالي كيلومترين لينفرد بها وراء بستان ومعها هذه المرة التاج فيحملها على ظهر بغل دون أن يراه أحد ليرمي بها من على صخرة عالية بعد تجريدها من تاجها ولوجود معارف له في المحكمة تم طي الملف بسرعة وشاع بين الناس أن العجوز سقطت من على الصخرة عندما حاولت جمع كمية من الحطب.
لقد شوهد التاج عنده في حفل ختان ابنه قورسل من طرف آزباش وهو رجل في الثلاثينات وهذا بعد مرور عامين من وفاة العجوز فعرف إيشر ذلك وهدده بالقتل إن أباح بالسر ،فسمع عكروم هذا التهديد فخاف على نفسه فعزم الهروب حتى لايصيبه مكروه.
ولأعرفكم بعكروم فهو رجل قصير جدا ونحيف حتى ليكاد أن يكون قزما ،توفى أبوه وهو في الخامسة من عمره ثم لما بلغ العاشرة فقد أيضا أمه فبقي في المنطقة يرعى الغنم لكل من أراد ذلك ليجمع قوت يومه ،وهو اليو م يبلغ من العمر أربع وثلاثين عاما।
في تلك الليلة لم يبت عكروم في كوخه خوفا من إيشر، فبقي يجول في المنطقة لينتهز الفرصة لأخذ بعض الأغراض بعد أن يبتعد إيشر ويطمئن لذلك ،لكن إيشر بقي يراقبه لعلمه بذلك ، فلما رآه من بعيد و لحسم الأمر بسرعة ناداه ليقترب منه ،لكن عكروم خاف وفر هاربا ليتبعه إيشر إلى الجبل وظل يفتش عنه دون جدوى مما يجعل ثائرته تثور ، وعزم هذه المرة بالذهاب بنفسه إلى المحكمة ليضع شكوى ضد من يسمى عكروم ،لم يولي إهتمام للقضية بقدر إهتمامه للأنتقام من عكروم، فقال لأحد معارفه أريد توريطه بأي قضية والزج به في السجن ، مما جعل كاتب الضبط يكتب عنده أن القضيه هي محاولة القتل من قبل عكروم لإيشر،ولإيجاد مبررا أمام الرأي العام رأى احد معارف إيشر بافتعاله بعض الخدوش أو الجروح ، ولكي تكون الأمور أكثر واقعية رأى أن يصنعها له هوبنفسه ، لكن المحاولات المختلفة لم تعجبه إذ الخدوش في الوجه غير كافية وكذلك بعض الجروح ،ورغبة لتاكيد الأمر دون شك أقترح على إيشر أن يكسر قدمه فيكون ذلك مبررا كافياأمام الجميع ।وبعد التفكير وجد أن هذا الحل أكثر توريطا لعكروم فما بقي إلا التنفيذ । فقام إيشر بتنفيذ الأمر بنفسه إذ ضرب نفسه بمطرقة فحطم رجله اليمنى فسال الدم منها حتى كاد أن يلقي حتفه لولا تدخل أحد العارفين فربط رجله بمنديل ليوقف نزيف الدم ।ثم ينتقل إلى المستشفى لتكتب له شهادة نقاهة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد।
لم يستدعى عكروم للمحكمة عمدا ليحكم عليه غيابيا في كل الجلسات ، قد حان الوقت للسلطات الأمنية للبحث عته والإتيان به من فوق الأرض أومن تحتها، استدعيت كل الوحدات وتم تطويق المنطقة وبدأ البحث عن الوحش الكبير كما كان الجميع يتصوره، عدا إيشر الذي يعرفه جيدا । وفي خضم هذه المعركة لم يجد رجال الأمن إلا شبه صبي كان مختبئا حتى أنهم صرفو عنه أنظارهم ولم يعبؤا به إلا أن إيشر وبعد جهد جهيد طلب منهم القبض على ذلك القزم ، إنه عكروم ، لم يصدق الجميع مايحصل ، هل هذا من فعل تلك الجروح ومن بإمكانه القتل ، لكن فاة الأوان ويجب حجزه وتقديمه للعدالة لمحاولته القتل مع سابق الإصرار والترصد।
لكن ربة صدفة خير من ألف معاد ،لقد قامت السلطات العليا بحركة تنقل لطواقم المحاكم عبر كامل التراب الوطني وصادف أن تنقل القاضي إيدرالمعروف بعدله وفطنته وأوكلت إليه القضية،دخل إيشر وجلس قريبا وأحضر المتهم بطلب من القاضي ، لقد طلب إحضاره مرتين لأن القاضي لما شاهد هذا القزم لم يكن يعرف أنه عكروم ، فلما تأكد أنه المتهم طلب إحالة القضية إلى التحقيق ،وترأس بنفسه اللجنةثم بدأت القضية تأخذ منحاآخر، لقد تم الكشف عن ملابسات القضية وتبعاتها مما حكم ببراءة المتهم ومتابعة لإيشر في بقية القضايا ।
ماذا لو لم تفصل الصدفة في القضية ؟ ماذا يكون مصير عكروم ؟ وإلى أين تصير الأحجية؟

ليست هناك تعليقات: